كتب أحمد جنينة شهادته عن معاناة الجوع وهو يحاول مواصلة عمله الأكاديمي في غزة، حيث يصف كيف ينهش الجوع الجسد ويضعف التركيز، لكن التضامن يمنح الطلبة شعورًا بأن أفكارهم ما زالت ذات قيمة. يقول إنه يكتب وهو عاجز عن الجلوس منتصبًا فترة طويلة، ينهكه الجوع والعطش، ومع ذلك يصر على مواصلة الكتابة كي لا يُمحى وجوده في زحام الحرب والمجاعة.

أوضحت الجارديان أن إسرائيل فرضت منذ 2 مارس 2025 حصارًا كاملاً على غزة، فأغلقت أبواب دخول الغذاء والدواء والوقود. الأسواق فرغت، المخابز أغلقت، والمطابخ المجتمعية توقفت. منظمة الصحة العالمية أكدت في 27 يوليو وفاة 74 شخصًا بسبب سوء التغذية هذا العام، بينهم 25 طفلًا، معظمهم رحل خلال شهر واحد. وكالات إنسانية مثل "أطباء بلا حدود" وصفت الإسقاطات الجوية للمساعدات بأنها "خطيرة وغير مجدية"، فيما اعتبرتها الأمم المتحدة خرقًا للمبادئ الإنسانية ومصدراً لمزيد من الوفيات.

يصف الكاتب كيف يواجه صعوبة في مراجعة فقرة واحدة بينما بطنه يتلوى من الجوع. أصابعه تجف، جسده يضعف، والقراءة تتحول إلى صراع مع تركيز يتبخر. يتحدث عن مشيه المتثاقل إلى مقهى إنترنت ليبقى متصلاً بالعالم، حاملاً حقيبته وكأنها صخرة فوق كتفيه. بعض أيامه تعتمد على كيس صغير من معجون "بلامبي نات" المخصص لمناطق المجاعة، يباع في غزة بسعر لا يطيقه معظم السكان. حتى النقود بات الوصول إليها مأساة، فالمصارف معطلة والناس يدفعون عمولات تصل إلى نصف مدخراتهم للحصول على سيولة من صرافي السوق السوداء.

تشرح الصحيفة أن ندرة العملة الصعبة دفعت الناس إلى محاولة إصلاح أوراق نقدية مهترئة رُفضت في المتاجر. هذا الانهيار المالي يتناقض مع روح غزة المعروفة بالكرم والتكافل، حيث لم يكن أحد ينام جائعًا إذا وُجد جار يملك ما يطعمه. لكن الجوع اليوم تجاوز قدرة التضامن الشعبي، حتى أكرم الأيادي صارت فارغة.

يروي أحمد جنينة حادثة سقوطه عند باب منزله بعدما أنهكه العمل المتواصل والجوع، فنقل إلى عيادة لتلقي محلول وريدي أنقذ حياته. رغم ذلك عاد صباح اليوم التالي إلى عمله لأنه رأى أن رسالته الأكاديمية لا تحتمل التأجيل. يقول إن مواصلة التدريس والبحث لم تعد مسألة مهنية بل فعل مقاومة لطمس الهوية.

يضيف أن دور الأكاديمي يفترض أن يكون إشعال التفكير النقدي وتحرير العقول، لكن واقع الحرب والمجاعة يفرض تساؤلات موجعة: ما معنى أن يكون الإنسان باحثًا أو معلمًا إذا حُرم من شروط التفكير والإبداع؟ كيف يمكن للحرية الأكاديمية أن تزدهر وسط الحصار؟ يوضح أن الدروس في الجامعات تحولت إلى معارك للبقاء حاضرًا وواعياً، وأنه يتردد بين خيارين مؤلمين: إما الصمت عن الأزمة حتى لا يزيد جراح الطلاب، أو الحديث عنها لفتح مساحة للتفكير الجماعي.

تصوّر الصحيفة مشهدًا أكثر قسوة: طهو الخبز فوق نيران خشب مكسور أو دفاتر مدرسية قديمة تُحرق للحصول على نار. البحث عن أعواد ثقاب صار مهمة شبه مستحيلة، والناس يتشاركون شعلة نار واحدة بين البيوت. رغم القهر، يواصلون كتابة المقالات، إلقاء المحاضرات عبر الإنترنت، المشاركة في مؤتمرات افتراضية، ونشر الأبحاث. ليس بدافع الشجاعة وحدها، بل لأنهم يعتقدون أن التعليم فعل تحرر في ذاته.

يقول الكاتب إن إعلان الحقيقة بات أصعب من تحملها: "نحن جائعون، لا عرضًا بل عمدًا". العدس المقسوم يتحول إلى الوجبة الوحيدة. العثور على دقيق أصبح أشبه بالكنز. ومع كل هذا، لا ينطفئ الإصرار على التفكير والتعليم. حتى في لحظة ضعف الجسد، يصر الأكاديمي الغزّي أن يقول لطلابه إن أصواتهم ما زالت مهمة.

تؤكد الجارديان أن هذه الشهادات ليست طلبًا للصدقة، بل نداء لمراجعة معنى التضامن. فالتضامن لا يكون حقيقيًا إذا لم يواجه الأنظمة التي تنتج الحصار والتجويع. وتشدد أن الوقوف مع غزة يعني فتح أبواب الجامعات والمجلات العلمية بلا قيود، وإعادة تعريف المعرفة ليس كامتياز بل كحق حتى في قلب الجوع.

يختم أحمد جنينة بالقول إن إنتاج المعرفة وسط المجاعة فعل مقاومة، وإن الإصرار على التفكير والكتابة والتدريس، مهما كان الألم، يرمز إلى رفض التحول إلى مجرد رقم في قوائم الموت. في غزة اليوم، أن يكون المرء أكاديميًا يعني أن يقاوم المحو بالصوت والفكر.

https://www.theguardian.com/global-development/2025/aug/19/too-hungry-to-think-too-weak-to-sit-upright-concentration-slips-away-the-struggle-to-stay-focussed-as-an-academic-in-gaza